...ابكي فلسطين...

أبكي يا فلسطيني الغربة و الحنين في الشعر الفلسطيني بقلم:انتصار الجماعي

توطئة :ـ

شعر يستوقفك أمامه يخاطبك و يحاصرك ، ويضع أمامك تاريخ وطن عرف معني البطولات و الفداء يدق و يدق باب الحرية بأيد مضرجة بالدماء يشتري بالنفوس و الآمال ، شعب سلاحة الحجارة و الكلمة .

الكلمات التي أود التحدث عنها من خلال ما قراءته عن ذلك الشعر ، كلمات تتميز بالالتصاق بتراب الوطن ، لقد انتشرت هذه الكلمات وجابت الأرض و وجدة أصداء مدهشة في كل مكان من العالم .

كان دفقا من الأحاسيس و المشاعر بإيماءات خاطفة للروح و الوطن و يقين راسخ بحتمية الانتصار و لو بعد الآلف السنين لغة لا تعرف التزويق و الأحلام مصوبة إلي قلب العدو حامله الآمال إلي قلوب مهشمة تزداد تماسك و يقينا بحتمية الانتصار .

وحدات الغرض في الشعر الفلسطيني المعاصر :ــ

برغم تعدد الأساليب و المذاهب يظل الشعر الفلسطيني يحرص علي وحدة الغرض فجميع إذا لم نقل كل القصائد تصور الحنين إلي الوطن بكل معالمه وقد اتفق علي ذلك شعراء المهجر والشعراء الباقون في الأرض المحتلة .

و قد عرفنا أن هذا الشعر قد طرق عدة موضوعات يدور محورها علي مقاومة العدو .. و الثائر منه .. فقد اتجه الحنين في الشعر الفلسطيني من الحبيبة إلي الأرض مدنها وقراها و جبالها ألخ ولقد استطاع أن يصل إلي درجة عالية من التأثر و السمو و الإبداع و تفوق في الصدق الفني مما كان له أجمل الأثر في إثراء الشعر العاطفي الحديث ، حيث لايهم من هي الحبيبة ، فأصبح الوطن حبيب و ترابه حبيب و مدنه حبيبة و امتزج بذلك الشعراء فأصبحوا ترابا وزهرا ونسيما ليبقي في الوطن صورة جميلة للتشبث بها بأي شكل وصنف فكما تقول أم الشعر الفلسطيني الشاعر فدوي طوقان :ــ

كفاني أموت عليها ..... وادفن فيها

و تحت ثراها أذوب و افني

و أبعث عشبا علي أرضها و ابعث زهرة

تعيث بها كف طفل نمته بلادي

كفاني أظل بحضن بلادي

ترابا وعشبا و زهرة

نرى في هذه الأبيات حنين واضح و لهفة وحب لتراب الوطن فبالرغم أن فدوي تقيم بنابلس ولكن هناك حرقة وإحساس بالغربة في مواجهة زمن الواقع و الشكل ، كذلك الإحساس بالخوف من ضياع باقي الوطن ، نري التشبث بالحرية ليس فقط كرؤية و قيمة بل كجوهر يشكل معني الإنسان و الوجود معا أن الشاعرة ترفض فكرة وجود مستعمر صهيوني هذه النقطة مهمة لغرض الشعر المقاوم وهي القوة المغناطيسية التي من خلالها تتم عملية التواصل بين الشاعرة من جهة و الأرض من جهة و الاستعمار من جهة أخري ويدل هذا الإصرار في أخر أبيات لها حيث كأنها توصي للاستمرار في المقاومة فتقول :

يوجعني الحكم الصهيوني

و أوامر منع التجوال

يوجعني لا بل يقتلني في وطني قتل الأطفال

و هنا نلاحظ نوع أخر من الغرض الشعري بحيث تطور هذا الشعر ليصبح نافذا الي عمق المأساة الفلسطينية و توسيع إطارها من مجرد الخطابة و البكائية الي المشهد الأوسع و الأعمق سواء أكان علي مستوي الشكل أم القول الشعري لقد كانت الشاعرة تأمل بأن تكون زهرة في يد كل طفل و تارة أخري لا تجد وسيلة لحماية هذا الطفل .

الشعر الفلسطيني بن الشكل و المضمون :ــ

لقد أحتل الشعر الفلسطيني منزلة عالية استحقها بجدارة لقد أهتم بالمضمون و المحتوي و تبني قضايا أمته و أصبح شعرا ملتزما فلا يمر يوم واحد دون أن يتأثر العرب و العالم بما يجري في فلسطين لذا كان هذا الشعر يعايش الواقع و يتحسس نبضة ويطرقه ، لقد أصبح فنا من أجل الحياة يسعى الي تغيير واقعها المرير و يبث في نفوس الناس الأمل و يحثهم علي التضحية و الفداء

فإذا ما نظرنا إلي الشكل و الصور وجدناه لم يهملها وإنما أعتني بها أيما اعتناء و حرص علي عمود الشعر أحيانا و جدد في الأوزان و القوافي و الموسيقي و ابتكار الصور ، غير أنه ينفرد علي الشعر العربي المعاصر بالطابع المأساوي الذي أفرزته نكبة الشعب فأظهرت عواطفهم الحزينة و انفعالاتهم الجياشة من سخط علي الاستعمار و حقد علي الغاصب الدخيل ، وأسرار علي العودة ، هذه السمات ة الملامح طبعت الشعر الفلسطيني المعاصر بطابعها ليبقي شاهدا علي الجريمة البشعة التي اقترفت في حقه دون ذنب جناه .

الغربة في الشعر الفلسطيني :ـ

لعل موضوع الغربة للشعر الفلسطيني هو موضوع الحياة و الحنين الذي يزخر به وجدان الشعراء هو قمة المشاعر ، أن الغربة لدية طراز متفرد لأن الغربة لا تمثل هذا الكم الزاخر من المشاعر و لكن غربة الشاعر الفلسطيني هي غربة المأساة إجبارية لأخيار فيها و يراد بها محو العلاقات الأزلية مع الوطن بكل ما تمثله هذه الروابط من تاريخ و تراث .

هي غربة شعب يحس بوجعها و يجرع مرارتها أنه الحنين المستقر الذي يتجسم في كل أمل ، لقد كانت المأساة جد مروعة و جاء التعبير عنها عميق مؤثرا قدر الشعور بآلامها .

وهو يندرج تحت عنوانين :ــ

1 ــ شعر الغربة المكانية :ــ و ما يترتب عليها من آلام و أحزان الذي يمثله شعر من طردوا و هجروا خارج وطنهم و عاشوا لاجئين غرباء فأصبحت كلماتهم تبث ما تعتمر به قلوبهم من لهفة للعودة حامله عمق المأساة التي انصبت علي كاهلهم ولنتمثل بأحدي قصائد الشاعر محمود درويش :ـ

أصحيح قد سلا البعد ذرانا أصحيح مات في القلب هوانا

قسما بالبؤس في تاريخنا لم يزل ينساب في القلب نداها

إلي

هاتف يصرخ بي منفعلا من بلادي : أيها الابن تقدم

إلي

لا تلمني إنها أرضي تبكي أ أطيق الصمت و الأم تألم

إلي

أنا جيل لست وحدي ثائر قد تعاهدنا علي أن نتقدم

كل ما فينا صمود فائر و نداء إننا للجرح بلسم

تساءل محموم بفحوى اللهفة للرجوع إلي الوطن ، حنين يكتب الكلمات فهي كلمات تدل علي معني واحد و رمز محدد وحالة ذات صامدة ومصممة علي الرجوع والعودة للثأر ، أنين أرض يكاد يسمع داخل كل مكان للغربة يحاكي الجيل الحاضر و الذي يليه ويليه هنا ترمز حتمية الرجوع و الانتصار .

كذلك نفس المضمون و المعني بهذه القصيد للشاعر هارون هاشم رشيد حين يقول

لماذا نحن ياأبتي لماذا نحن أغراب

أليس لنا بهذا الكون أحباب وأصحاب

إلي

من أي أرض أنت أي يد جارت عليك و أي عدوان

مثلي و مثل أبي ومثل أخي نمضي بلا أهل و أوطان

نمضي وفي أعماقنا حمم و عواصف وهدير بركان

أن حلم العودة يطالعنا ماثلا بقوة وثبات شي أزلي لن تمحه السنين لقد تخلي في تصميمه علي الغربة ليؤكد علي حتمية العودة وكيف ومتي ذلك

2 ــ شعر الغربة النفسية :ـ و الذي يمثله شعراء الأرض المحتلة الذين لم يغادروا الوطن ، مكثوا فيه مستضعفين حيث جردوا من حرياتهم و حوربت ثقافتهم و أضطهد تاريخهم وشوه أمام أعينهم فقاموا بالتعبير عن كل ذلك في أشعارهم من داخل نفسيتهم المكسورة المتقوقعة التي عاشت زمن ملئ بالأحداث و الاضطرابات مثلما هو ملئ بالأحلام لقد كانوا يرسلون قصائدهم من قلب الزنزانات و المخابئ يحاربون بأرواحهم وكلماتهم فكانت تخرج الكلمات من أعماق روحهم و كانت حروفهم مضرجة بالدماء ، لقد فرض عليهم الدخول في سجال مع المحتل لا تقف حدود مواجهته عند الجانب العسكري و القتال بل تتجاوزهما الي نقاش وجودي و فلسفي و نفسي ، قصائد شتي تحاكي هذه الحالة ولكن اخترت مقطع بسيط من قصيدة أجيبيني للشاعر توفيق زياد لمالها من مدلول قوي رغم مرور سنين طوال علي كتابتها ولكن بريق كلماتها لا يزال يلهب القلوب و يثير النفوس فحين يقول :

أجيبيني

أنادي جرحك المملؤ ملحا يا فلسطيني

أنا أبنك : خلفتني هاهنا المأساة

عنقا تحت سكين

داخل هذه الكلمات غنائية شجية و وخز جارح ويقين راسخ بحتمية الانتصار ، فبرغم انكسارات النفس يوجد أمل كبير يبزغ داخل كلمات الحزن ويستمر ليؤكد

بأسناني سأحمي كل شبر من ثري وطني

ولن أرضي بديل عنه لو علقت من شريان شرياني

أنا باق أسير محبتي لسياج داري

هناك تجديد و توكيد للاستمرار علي مقاومة المعتدي ، هناك تحدي صارخ و ثبات موقف .. أنا باق .. توحي بإصرار البقاء كلمة لها مدلول التشبث بهوية الأرض ، تجسد روح شعب لا ينهزم و كبرياء أرض لا تهون .

ــ هموم و أحزان .. وحرقة لمدن تخرب و تفني :ــ

لقد أهتم معظم الشعراء الفلسطينيين بمدنهم الفلسطينية وكان هذا مثل البكاء علي أطلال تلم المدن والشوق إليها و الرغبة في حمايتها من الخراب و الاندثار الرغبة في حماية مقدساتها تراثها كافة أزقتها فكانوا يرسلون إليها الرسائل الشعرية لكي تصمد وتقاوم ولاترضح ويعاملونها ككائن حي يحس ويسمع ويستجيب و لقد حضيت باهتمام أكبر من غيرها و يرجع ذلك أما لقداستها و مكانتها الروحية أو لأنها بلد الشاعر من هذه الرسائل

هارون هاشم في الحنين إلي حيفا

حيفا عروس خواطري و مشاعري مالي عليك من الزمان عتاب

و محمود الحوت :ــ

يافا لقد جف دمعي فانتحبت دما متى أراك ؟ وهل في العمر أمد

و معين بسيسو :ــ

أبواب غزة وهي مغلقة علي الشعب الحزين

ويخاطب الفجر المدينة وهي حيري لا تجيب

أسلوب الحنين تغير و تبدل من شاعر إلي أخر ، جميعها أحاسيس مفعمة بالثقة والثبات ممتلئة بالقوة حين نسمعها .

لقد كان الشعر الفلسطيني صادق حين صور العواطف و رسم الانفعالات التي ولدتها نكبة التشرد و الغربة .

ولكن كان تأثير شعراء فلسطين الذين داخل الأراضي المحتلة أعمق من حيث المحتوي و أدق في تفصيل حياة المعاناة تحت وطأة الاحتلال فتتشكل القصائد في أبجدية مملوءة بأحاسيس الألم و الأمل هذا الشعر يلعب دورا خطير في إبقاء صورة الوطن حية نابضة في وجدان كل فرد من أبناء هذا الشعب المشرد ومن ثم فهو يحفزهم علي الجهاد و ييبقي علاقة الإنسان الفلسطيني بموطنة قوية و ثابتة أمام كل الأنواء .

و كذلك إن الغربة و الحنين قد سيطرا علي معظم أغراض الشعر لدي الشعراء إن غربة الشعب الفلسطيني غربة نفس تعيش داخل أرضها تلك الغربة من أشد أشكال الغربة و أصعبها.

غربة ترتسم بوضوح علي كافة الحدود الفلسطينية تكاد تكون ملموسة ، من عمق تأثير كلمات اللوعة و الحنين و أمل العودة و التعلق الذي لا حدود له بتراب الوطن نجده هنا أصعب في كلمات أسمي طوبي علي كل من يقرءاها

أحبك

أحيا بدونك في غربتي

مهيض الجناح

يمزق أذني همس مذيب

وتقتلني كالردى أصابع

تشير بأني غريب

...................................

انتصار الجماعي
كاتبة من ليبيا

المصدر



--------------------